منذ أيام قليلة مرت علينا ذكرى حادثة عظيمة ، ألا وهى الهجرة ..
الهجرة ليست كما يظنها البعض مجرد سفر وإنتقال من بلد قريب إلى بلد بعيد ، وإنما الهجرة أعظم من ذلك ، كلمة الهجرة تحمل بين طياتها الكثير من المعانى والدروس ، وسنذكر اليوم أحد هذه المعانى ، بل وأهمها وهو : التضحية ..
الكثير من المسلمين يتمنون لو كانوا معاصرين لزمن النبى صلى الله عليه وسلم ، ليؤمنوا به وينصروه ويهاجروا معه ويحضروا معه المواقف ، وها نحن الآن نتناول مقال مهم لكل مسلم ، فرصة لا تفوتك لتتعرف على وسيلة أخبرنا عنها النبى صلى الله عليه وسلم لتكون بها ممن هاجر إليه .
فالهجرة تعني لغة ترك شي إلى آخر ، أو الانتقال من حال إلى حال ، أو من بلد إلى بلد ، يقول تعالى : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُر ْ} [ المدثر : 5 ] ، وقال أيضًا : { وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً } [ المزمل : 10 ] .
الهجرة حركة ، وليس في الدين إسلام سكوني ، أنت كما تتمنى تعيش لكنك معجب بهذا الدين ، تقدّر عظمة هذا الدين ، تقول للناس : إن هذا الدين حق ، إن هذا القرآن الكريم حق ، هذه الحالة السلبية ، الإعجاب السكوني ، ليست واردة في الإيمان ، الدين حركة ، وما لم تتحرك من مكان إلى مكان ، من موقف إلى موقف ، من أصدقاء قبل أن تعرف الله إلى أصدقاء بعد أن تعرف الله ، ما لم يكن هناك حركة ، ما لم يكن هناك تبديل ، ما لم يكن هناك انتقال ، فالإسلام الذي تتوهمه إسلام سكوني غير حركي ، لذلك الذي تمّ أن التاريخ الإسلامي لم يكن لميلاد النبي عليه الصلاة والسلام ، بل كان لهجرته لأن الهجرة حركة ..
لذلك إن الهجرة قمة التضحية بالدنيا من أجل الآخرة ، كل إنسان ببلده بمسقط رأسه له مكانة ، له أسباب للرزق ، له معارف ، له أصدقاء ، لكن إذا ثبت له أن بقاءه في هذا البلد يعيق تقدمه الديني فلابدّ من أن يهاجر ، لذلك الهجرة قمة التضحية بالدنيا من أجل الآخرة ، ذروة إيثار الحق على الباطل ، الهجرة في أدق تعاريفها ليست انتقال رجل من بلد قريب إلى بلد بعيد ، وليست ارتحالاً مفتقراً من أرض مجدبة إلى أرض مخصبة ، إنها إكراه رجل آمن في سربه ، ممتد الجذور في مكانه ، على إهدار مصالحه ، والتضحية بأمواله ، وتصفية مركزه ، والنجاة بشخصه ، من أجل ألا يفتن في دينه ، المحرك هو الدين ، الآن الحركة مال فقط ، ينتقل من بلد يعبد فيها الله رب العالمين إلى بلد فيه من التفلت ما يُبعد أكبر مؤمن عن الدين ، الحركة الآن حركة مالية فقط ، يبحث عن مركز ، عن منصب ، عن مال ، عن دنيا ، عن متاع ، أما الهجرة فحركة دينية ، حركة من أجل الإيمان ، حركة من أجل أن يعبد الإنسان الواحد الديان .
ومن هنا فإن الهجرة كلها صعاب ، و هذه الصعاب لا يطيقها إلا مؤمن يخاف على سلامة إيمانه ، أما الهياب الخوَّار القَلِق فلا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذلك ، قال تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ [ سورة النساء: 66]
بأصل فطرة الإنسان الإنسان يتعلق بمسقط رأسه ؛ حيث العادات ، والتقاليد ، والمعارف ، والأصدقاء ، والأقارب ، لكن أحياناً يكتشف أن هذا المجتمع يبعده عن ربه ، لذلك لابد من الهجرة ، أحياناً تترك مجموعة أصدقاء إلى مجموعة أخرى بعد الإيمان ، نوع من الحركة ، تترك حرفة لا ترضي الله ، كسبها حرام ، إلى حرفة دخلها حلال ، وحتى نوسع معنى الهجرة ، هى ترك شيء يبعدك عن الله إلى شيء يقربك منه ، قد تترك الحي إلى حي آخر ، من عمل إلى عمل ، من أصدقاء إلى أصدقاء .
ها هو قاتل المائة نفس يذهب للعالم ويسأله هل لى من توبة ؟ فيرد عليه العالم ما الذى يحول بينك وبين التوبة ! ولكن لكى تتوب عليك أن تترك القرية التى أنت فيها لإن أهلها أهل سوء ، وتذهب للقرية الأخرى فأهلها صالحون ، أمره العالم بالهجرة ، لإنها سبيل النجاة من أرض الفتن .
والآن .. هناك بشارة لهؤلاء الذين يعبدون الله في زمن الفتن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ، والْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ على دمائهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " [ أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر]
أي كل واحد منا بإمكانه أن يهاجر ، هناك مجموعة أصدقاء لا ترضي الله تركهم هجرة ، هناك لقاءات مختلطة تركها هجرة ، هناك عمل فيه رزق وفير لكن فيه شبهات كثيرة تركه هجرة ، هناك أشخاص البعد عنهم هجرة ..
قال النبي في الحديث الصحيح : " العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي ". [ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
نساء كاسيات عاريات ، أفلام إباحية ، فضائيات ، انحرافات ، ملاه ليلية ، انحرافات سلوكية ، مخدرات ومسكرات ، في هذا الزمن الإباحية والنوادي الليلية وكل شيء حلال ، وكل شيء متعلق بالدين الناس يبتعدون عنه ، في هذا الزمن :
" العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي ".
يمكنك الآن أن تجلس لحظات مع نفسك وتفكر ، هل الهجرة إلى النبى صلى الله عليه وسلم تستحق التضحية ببعض اللذات والشهوات الزائلة ؟!
إن كانت إجابتك نعم إبحث عن الأشياء أو العادات أو الأصدقاء الذين يمثلون عائق بينك وبين التقرب إلى الله ،
لا تتردد فى تركهم فالهجرة إلى حبيبك تستحق أكثر من ذلك ..
[ منقول من عدة مصادر ]